بدأت علياء مشوارها منذ أن كانت طفلة تتمرن مع والدتها، وراودتها خلال مسيرتها بعض الشكوك ولكن إيمانها أنها خُلقت لتصنع شيئاً مختلفاً جعلها تتغلب على كل المصاعب وتمضي قدماً لتكون الأولى.
النيادي أول راقصة باليه إماراتية تحدّت جميع العوائق المجتمعية والانتقادات الجمة التي تلقّتها، لكن شغفها برقص الباليه الذي بدأ معها منذ صغرها لم يمنعها من المثابرة، لا بل كان الحافز لمواجهة ومقاومة أي سلبيات من حولها.
ومُنحت علياء لقب “أول راقصة باليه إماراتية” مع أكثر من 70 عرض حتى الآن، وتستمر علياء في رحلتها بكل حماس.
الحلم والواقع..
وتقول النيادي أنها احترفت الباليه لتوصل للناس أنه كل من يملك رغبة أو حلم عليه السعي وراءه، حتى لو كان غير مألوف في الإمارات، وأنا تعلمت أن أتبع حلمي، والذي هو الباليه.
وتضيف.. “رقص الباليه بالنسبة إليّ هو أهم شيء في الحياة، هو حياة، وإن لم أمارس هذا الفن لما وصلت إليه اليوم”، بهذا التعبير افتتحت عليا النيادي حديثها.
كانت والدتها السبب في دخولها عالم الباليه، حيث أنها متخرِّجة من كونسرفتوار للباليه في موسكو، وامتهنت تعليم الباليه وتصميم الرقص ورقص الباليه لدى مجيئها إلى الإمارات وزواجها من والد النيادي.
الطفولة..
تروي النيادي أنّ والدتها “دائماً ما شجّعتنا أنا وأختي منذ صغرنا على القيام بأي نشاط ونحن صغيرات في السن لإيجاد هواياتنا، فهي كانت نشيطة جداً”. ودفعتها والدتها إلى تجربة نشاطات مختلفة لاختبارها واختيار ما يعجبها منها. جرّبت العديد من النشاطات مثل الجمباز وركوب الخيل. وكان آخر ما جرّبته هو الباليه، “حينها قرّرت تعلّم هذا الفن لأنّني وجدت فيه شيئاً ينقُص في جميع النشاطات الأخرى وهو الإحساس والمشاعر”.
وتضيف أنّ “مَن يشاهد عرض الباليه برقصه وموسيقاه على المسرح، يشعر بهذا الإحساس، فالفنان لا يبذل قصارى جهده لإسعاد الناس وإمتاعهم فقط، إنّما يتحوّل إلى وحدة مع الموسيقى، وهو شعور جميل جداً”.
ثقافة الباليه في دولة الإمارات..
ثقافة الباليه في الإمارات هي ثقافة جديدة وتحتاج إلى وقت، برأي عليا النيادي، وتضيف: “دولتنا حقّقت إنجازات كبيرة في وقت قصير، لكنّ رقص الباليه يحتاج إلى وقت لكي ينتشر في المجتمع، كما حصل في الدول الأخرى في هذا المجال”.
وقد واجهت النيادي تحديات جمة لناحية اللباس وعدم فهم ما هو هذا الفن، “لكنّني أعتقد أنّ مع الوقت، سيفهم الناس أنّ الشخص الذي يرقص على المسرح ليس نفسه الشخص الحقيقي الذي يقابلونه في الحياة اليومية”.
وعن القيود والتحديات المجتمعية التي واجهتها كراقصة باليه في الإمارات، تسرد أنّ “كأي إنسان يختبر شيئاً هو الأول من نوعه في مجتمعه وينجح فيه، لا يمكن إلّا أن يواجه صعوبات وتحديات وانتقادات”.
فمنذ عمر حوالي 12 سنة، بدأ الناس ينتقدون ما تفعله عليا النيادي، ولم تكن تفهم لماذا ينتقدونها، وتقول مذ “كنت صغيرة وأقوم بما أحب أن أقوم به، وأشارك في المسابقات والمهرجانات الدولية وأمثل بلدي وأنا فرحة، لدرجة أنّني نسيت حياتي الاجتماعية وتفرّغت تماماً للتدريب على رقص الباليه وكنت أتدرّب يومياً، لكن ما قمت به كان شيئاً غريباً وجديداً بالنسبة للمجتمع”، وتورد عليا سائلةً: “الباليه هو فن، كيف تكون الحياة من دون فن؟ الفن هو ثقافة هل يمكن أن تكون حياة من دون ثقافة؟”.
وعن مواجهتها هذه التحديات، تشير عليا النيادي إلى أنّ “مواجهة هذه التحديات أعطتني القوة وجعلتني أشعر بأنّني أكبر من سنّي، وعلّمتني على الهدوء لكي أتفاهم مع المنتقدين، إذ كانوا جميعهم فوق عمر الـ 40 عام، بينما كنت أنا في الـ 15 من عمري”.
أول تحد..
وكان أوّل تحدٍ لممارسة رقص الباليه في مجتمعها هو اللباس. وكان الناس يستغربون اللباس الخاص بهذا الرقص “كوني فتاة عربية ومسلمة ومواطنة إماراتية، لكن حرية اختيار اللباس لا تلغي إيمان الإنسان، ولا علاقة للباس مهما كان، بقرب الإنسان من الله، فالأخلاق هي الأهم”، وفق عليا.
وفي ذات الوقت النيادي احترمت آراء الآخرين، ولم تدخل في نقاشات معهم في هذه الانتقادات، موضحةً “أنا اخترت هذا الفن وأنا مرتاحة فيه وهذا ما يهمني، وأفتخر بأن أمثل الإمارات كأوّل راقصة باليه إماراتية وعربية في المسابقات الدولية، وهذا يفرحني جداً أن أضيف وجهاً جديداً من نجاحات الإمارات المتعددة في مجالات مثل التكنولوجيا والنفط وغيرها، وجميل أن نظهر للعالم أجمع أنّ لدينا مواهب دفينة في الفن أيضاً”.
حالياً، قلّلت النيادي من ممارسة رقص الباليه، إلّا أنّها تدرّبه كما غيره من الرقص، وتقوم بتوعية الناس على هذا الفن، قائلةً: “الباليه يحفّزني لتشجيع الناس على حبّ هذا الفن كمّا أنا أحبه”.
قيمة ما يتم تقديمه..
وعن قيمة ما تقدّمه من رقص باليه بالنسبة للمرأة العربية والإماراتية، تقول النيادي أنّ “القيمة هذه هي الشجاعة، فمَن يخوض تجربة للمرة الأولى يشعر بخوف، لكن شغفي لما أحبّ دفعني بأن أقاوم السلبيات من حولي وأن أكون شجاعة”.
وكان أهلها وأصدقاؤها الذين شاركوها هذا الفن من أكبر الداعمين لها في مسيرتها، وكذلك أشخاص في الحكومة شجّعوها بقوة، وأشخاص آخرون و”لو بكلمة، لكن أهم شيء أن يثق الشخص بنفسه ويثابر، فما لا يقتلك يجعلك أقوى”، بحسب عليا.
المستقبل .. ؟
وفي سؤال لها عبر إحدلى اللقاءت إذا ما كانت ترى مستقبلاً لرقص الباليه في الإمارات، تجيب عليا النيادي: “طبعاً، هناك الكثير من المراكز بدأت تشجّع على هذا الفن، وهناك اهتمام من عدد كبير من الفتيات بممارسة الباليه في الإمارات لكنّهن ما زلنا في أعمار صغيرة”.
أنت أول راقصة باليه إماراتية، هل ستكونين الأخيرة؟
“لا أتمنّى ذلك”، تقول علي النيادي، لافتةً إلى أنّ “بعض الفتيات أرسلن لي رسائل مفادها أنّ بعد تقاعدي سيكنّ (عليا النيادي) رقم اثنين، وأنا أشجّع على ذلك، لكن عليّ أن أصارحهنّ وأخبرهنّ أنّني تعبت لكي أصل إلى ما وصلت إليه، لكنّني غير نادمة وواجهت تحديات مجتمعية جمة وتحديات جسدية كبيرة بسبب التدريبات المكثفة، وعلى راقصة الباليه الاهتمام بطعامها وشرابها ولياقتها البدنية وتمارينها”.
وفي رسالة للمرأة والفتاة العربية، تختم النيادي”
أنصحها أن تتبع أحلامها وأن تفعل ما تحب، لأنّ الحياة من دون حب هي حياة كئيبة، وأن تبحث عمّا تحبّ في سنّ صغيرة، وأن تثق بنفسها وتتمتّع بإصرار كبير”.