تتصدر الإمارات قائمة الدول التي تساهم في تعزيز منظومة الأمن المائي المستدام على الصعيد العالمي، عبر مجموعة متكاملة من المبادرات المبتكرة الهادفة إلى تعزيز الوعي بأزمة ندرة المياه وخطورتها، وحشد الجهود والطاقات الدولية لمعالجتها.
يأتي ذلك في الوقت الذي تواصل فيه الإمارات تقدمها الملموس في تحقيق أبرز مقاصد الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة 2030 المتعلق بالحصول على المياه النظيفة.
ويشير تقرير الأمم المتحدة الصادر مؤخراً، حول أجندة أهداف التنمية المستدامة 2030، إلى تحقيق الإمارات ما معدله 100 بالمئة في مجال تقديم خدمات مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، كما حققت الدولة نتيجة 79 بالمئة في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية وهي من أفضل النتائج إقليمياً.
ويحتاج العالم وفقاً للأمم المتحدة إلى مضاعفة التقدم المحرز في الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة بمعدل 4 مرات عن الوضع الحالي، لكي يتمكن جميع سكان الأرض من الحصول على المياه المأمونة التي تعد من أهم احتياجات الإنسان الأساسية من أجل صحته ورفاهيته.
وأطلقت الإمارات في فبراير الماضي “مبادرة محمد بن زايد للماء” لمواجهة التحدي العالمي العاجل المتمثل في ندرة الماء.
تعزيز الوعي
وتهدف المبادرة إلى تعزيز الوعي بأهمية أزمة ندرة المياه وخطورتها على المستوى الدولي، بجانب تسريع تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة لمعالجتها، إضافة إلى تعزيز التعاون مع الشركاء والأطراف المعنية في العالم لتسريع وتيرة الابتكار التكنولوجي للتعامل مع ندرة المياه وتوسيع نطاق التعاون الدولي، والسعي إلى زيادة الاستثمارات الهادفة إلى التغلب على هذا التحدي لما فيه خير الأجيال الحالية والمستقبلية.
وشهد شهر مارس الماضي الإعلان عن شراكة بين “مبادرة محمد بن زايد للماء” ومؤسسة “إكس برايز” الأميركية، بهدف إطلاق مسابقة “إكس برايز للحد من ندرة المياه” التي ستمولها المبادرة بمبلغ 150 مليون دولار، وتتضمن جوائز تصل قيمتها الإجمالية إلى 119 مليون دولار، لتحفيز المبتكرين حول العالم على تقديم حلول فاعلة ومستدامة وتطويرها لتعزيز كفاءة تقنيات تحلية المياه وتكلفتها.
وفي السياق ذاته، تواصل جائزة محمد بن راشد آل مكتوم العالمية للمياه، جهودها في تحفيز وتكريم المؤسسات ومراكز البحوث والمبتكرين الذين يطورون تقنيات ونماذج مبتكرة لإنتاج وتحلية وتنقية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، بهدف استحداث حلول لمشكلة شح المياه النظيفة التي تواجه المجتمعات الفقيرة والمنكوبة حول العالم.
وخلال الدورات الثلاث السابقة من الجائزة، تم تكريم 31 فائزاً من 22 دولة حول العالم لمشروعاتهم المبتكرة في مجال تحلية وتنقية المياه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة التي تشمل: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وطاقة الكتلة الحيوية، والطاقة المائية، والطاقة التناضحية، والطاقة الحرارية الأرضية.
بدوره، يجسد برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، التزام دولة الإمارات بتعزيز الأمن المائي إقليمياً ودولياً، حيث نجح منذ إطلاقه في تشجيع ودعم الباحثين والمتخصصين في هذا المجال ومنحهم فرصاً أكبر للإسهام في تخفيف حدة شح المياه حول العالم.
وضمت قائمة الفائزين بالمنحة المالية للبرنامج في دورته الخامسة، فريقاً بحثياً من معهد الابتكار التكنولوجي بدولة الإمارات، وذلك عن مشروعهم المتعلق بتعزيز هطول الأمطار باستخدام الليزر وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد، وفريقاً من الجامعة العبرية في القدس عن مشروع بحثي يهدف إلى تحديد القابلية الميكروفيزيائية لتلقيح السحب بطريقة عملية، إضافة إلى فريق أميركي من جامعة ميشيغان التقنية الذي سيقوم بالدراسات المخبرية والنمذجة لتحديد قابلية السحب للتلقيح الاسترطابي.
وتعد الإمارات من أبرز المساهمين في تمويل وتنفيذ مشروعات توفير مياه شرب النظيفة للمحتاجين حول العالم، وذلك عبر مجموعة من المؤسسات مثل صندوق أبوظبي للتنمية، و مؤسسة “سقيا الإمارات”، وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وغيرها من الجهات الوطنية الناشطة في هذا المجال.
تجربة الإمارات
وتبرز تجربة الإمارات في مواجهة تحدي ندرة المياه على الصعيد المحلي كأحد أهم النماذج التي يمكن الاسترشاد بها في سبيل تعزيز الجهود الدولية لتحقيق الأمن المائي المستدام على مستوى العالم.
ويقدر حجم الطلب على المياه في دولة الإمارات بنحو 4.2 مليار متر مكعب سنوياً، ونظراً لشح كمية المياه الجوفية فيها، فقد اتجهت نحو الاعتماد بشكل رئيس على مصادر غير تقليدية لإنتاج المياه العذبة لأغراض الشرب والاستخدامات المختلفة، حيث بلغت نسبة مساهمة موارد المياه غير التقليدية 53%، تشمل المياه المنتجة من تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، وتقنيات الاستمطار، إضافة لتبني سياسات لترشيد الاستهلاك.
وأطلقت الإمارات مجموعة كبيرة من المبادرات التي تساهم في تعزيز استدامة مواردها المائية، وفي مقدمتها استراتيجية الأمن المائي 2036 التي تضمنت مستهدفات عليا تتمثل في خفض إجمالي الطلب على الموارد المائية بنسبة 21%، وزيادة مؤشر إنتاجية المياه إلى 110 دولارات لكل متر مكعب، وخفض مؤشر ندرة المياه بمقدار 3 درجات، وزيادة نسبة إعادة استخدام المياه المعالجة إلى 95%، وتوفير سعة تخزين لمدة يومي تخزين للحالات العادية في النظام المائي.
وفي ذات السياق، يمثل الماء أحد المحاور السبعة الرئيسة لاستراتيجية الابتكار الوطنية لدولة الإمارات التي تهدف إلى أن تكون الدولة رائدة عالمياً في علوم وتقنيات زيادة هطول الأمطار.
وتمتلك دولة الإمارات منظومة ضخمة من محطات التحلية التي تساهم في إمداد مختلف القطاعات الحيوية والسكنية بالمياه الضرورية لاستمرارية الأعمال ودعم رفاهية المجتمع، بجانب بنائها سدوداً عدة للمحافظة على الثروة المائية.
وتركز دولة الإمارات بشكل مكثف على بناء وتطوير مشروعات تحلية المياه القائمة على تقنية «التناضح العكسي»، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، بما يسهم في تعزيز جهود تحقيق الحياد المناخي، حيث تعد هذه التقنية قليلة الكلفة وموفرة للطاقة، وقد أثبتت كفاية في استهلاك الطاقة تزيد بمقدار 75%، مقارنة بتقنيات التحلية الحرارية، كما تسهم في خفض انبعاثات الكربون المرتبطة بتحلية المياه بنسبة تزيد على 85%.
ودشنت الإمارات في مارس الماضي محطة تحلية مياه البحر ” نقاء”، التي تم إنشاؤها في إمارة أم القيوين، وتعد من أضخم مشروعات تحلية مياه البحر بنظام التناضح العكسي في العالم، حيث تبلغ قدرتها 150 مليون جالون مياه محلاة يومياً.