نظم نادي دبي للصحافة اليوم في مقره بدبي جلسة معرفية لقطاع الإعلام تحت عنوان “أهم 5 تحولات أمام مستقبل الأخبار”، تحدث خلالها الباحث أفشين مولافي، زميل أعلى في معهد السياسة الخارجية بجامعة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة بواشنطن ومستشار بشركة اكسفورد اناليتيكا للتحاليل والاستشارات الدولية، حول شكل الأخبار المنتشرة في الإعلام العالمي، وتأثير صياغة العناوين والأخبار العاجلة على الاتجاهات الإعلامية المستقبلية.
وتأتي هذه الجلسة في سياق الفعاليات والجلسات المعرفية التي ينظمها نادي دبي للصحافة سنوياً للمهتمين بالقطاع الإعلامي على المستوى المحلي والعربي، باعتباره جسراً حيوياً للتواصل بين الإعلام العربي ونظيره العالمي، ومحرك دفع لجهود الحوار والتطوير في المجال الإعلامي محلياً وإقليمياً.
الاتجاهات الحديثة لصناعة الأخبار
وأكد مولافي خلال الجلسة، على أهمية أن يولي الصحفيين والعاملين في غرف الأخبار اهتماماً وثيقاً بالاتجاهات الإعلامية الحديثة، نظراً لتأثيرها المباشر على المهارات المستقبلية للتحرير ومدى توفر الأخبار على المنصات الرقمية في ظل تأثر العالم بالثورة الصناعية الرابعة ودخول الذكاء الاصطناعي مجال الإعلام واعتماد الأفراد والمؤسسات على منصات التواصل الاجتماعي إلى حد باتت فيه جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للملايين حول العالم.
وفي سياق أهم التحولات المنتظرة أمام مستقبل الأخبار، قال مولافي خلال الجلسة: “أن عالم الصحافة مختلف اليوم عما كان عليه قبل 4 سنوات، والمؤشرات الراهنة تكشف بوضوح أن الاتجاه الذي سيسود المشهد الإعلامي خلال السنوات القليلة القادمة هو زيادة الاعتماد على تطبيقات “الميتافيرس” في مجال الإعلام. مشيراً إلى ان الأهم من قراءة الاتجاهات الإعلامية الحديثة المتوقع ظهورها خلال العامين المقبلين، هو ان يدرك العاملين في هذا المجال كيفية قراءة هذه الاتجاهات بشكل دقيق، بالاعتماد على ثقافته الفردية وفهمه الشخصي بعيداً عن الكلام الاستهلاكي والحقائق التي يروج لها في الأنترنت لأهداف وأجندات مختلفة.
وأضاف مولافي: “ما زال هناك الكثير من الكلام المتداول في الصحافة العالمية حول مفهوم “العولمة”، على الرغم من ان هذا المفهوم قد تراجع في السنوات القليلة الماضية، فاليوم كل أخبار العالم تبدأ ويناقشها الصحفيون صباحاً مع فنجان قهوة، بهذه البساطة يتم تلقي ونقل معلومات والاخبار باستمرار، وعلى الصحفيين والعاملين في مجال الأخبار ان يكونوا على دراية تامة بكيفية التخطيط للمستقبل في بيئة إعلامية سريعة التغيير.
جاهزية تامة
وأضاف مولافي، المتغيرات العالمية السريعة والاتجاهات الإعلامية الحديثة، تضع الصحافيين امام تحدي صعب نوعاً ما، ولكن الراغبين بمواكبة هذه المتغيرات عليهم ان يكونوا جاهزين لتلقي الأخبار الكبيرة والمؤثرة بشكل مفاجأ، وأضاف، هذه الجاهزية من شانها تغيير اتجاه عمل الصحفي لا بل تغيير حتى حياته، لأن العالم معرض باستمرار لظهور مثل هذه الأخبار، وعلى سبيل المثال عندما ظهرت جائحة كوفيد – 19 وما نتج عنها من تداعيات على البيئة الاجتماعية والاقتصاد العالمي لم يكن أحد يتوقع ذلك، وهذا ما شكل ارتباكاً في الإعلام العالمي، وتكرر ذات الارتباك مع الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من تعطل في سلاسل التوريد وأسعار الطاقة. لذلك اوكد مراراً وتكراراً ان الأخبار الصحيحة تنقل عندما يكون لدى الصحفي سيناريوهات متوقعة حول العديد من الملفات والقضايا والتحولات، والصحفي الذي يملك الجاهزية لهذه التحولات هو من سيتغلب على التحديات الناشئة.
أفكار نمطية
وخلال الجلسة تحدث خبير السياسة والدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن، عن الأفكار النمطية المتداولة في الصحافة العالمية، والتي يستقي معظم الصحافيين مصادرهم منها، وأضاف: “على سبيل المثال: كل ما يروج في الصحافة العالمية عن منطقة الشرق الأوسط هو انها منطقة مليئة بالتحديات والأزمات، بينما القليل يتحدث عن ان هذه المنطقة في الحقيقة هي مركز ثقل العالم ومساحة غنية بالفرص، في المقابل أكثر ما تروجه الصحافة العالمية عن روسيا على سبيل المثال، كدولة عظمى لها تأثيرها في العالم، على انها دولة ذات نفوذ بسبب امدادات الغاز والطاقة، متسائلاً هل هذه هي الحقيقة الوحيدة عن تأثير روسيا؟، وبالمقابل كل ما تروجه بعض وسائل الاعلام من معلومات عن حجم وتأثير أوكرانيا هو حول ملف القمح والذرة، وايضاً الأفكار النمطية التي تروج عن العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين وجميع الصحفيين على اطلاع بها، ولكن هل يدرك صناع الأخبار ان العلاقة الحقيقية بين هذين الدولتين هي علاقة 650 مليار دولار، والقوتين متشابكتان اقتصادياً على عكس ما يتم تداوله في الأخبار.
لافتاً خلال حديثه في الجلسة، ان كل هذه الاتجاهات مرتبطة ايضاً بمشكلة المعلومات المضللة، وظهور حملات التضليل للأخبار المزيفة العميقة بالذكاء الاصطناعي، أو ما يطلق عليه “روبوتات الأخبار الكاذبة”، وبالتالي تراجع العناوين الرئيسية للأخبار العالمية وتمركزها بصورة مبالغ فيها حول الدول الغربية، بينما الحقيقة التي يتم تجاهلها هي ان 85% من التأثير العالمي اليوم يتركز حول منطقة آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
دبي محور العالم
وتابع مولافي حديثه خلال الجلسة، أن حركة الأخبار العالمية والاتجاهات الجديدة تتركز اليوم حول مدن مستمرة في الصعود التنموي، دبي اليوم هي مركز هذا العالم، وتتبعها سنغافورة وهونغ كونغ وغيرها من المدن، كما ان 75% من النمو العالمي يتركز في 20 دولة.
تأهيل الصحافيين لمستقبل أفضل
كما استعرض مولافي خلال الجلسة التي عقدت في مقر نادي دبي للصحافة، عرضاً تقديمياً حول سبل تأهيل العاملين في مجال الصحافة والنشر لمستقبل إعلامي أفضل، وطرق تطبيق المهارات المطلوبة، مشيراً إلى ان الصحافيين ملزمون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالاشتغال على مواكبة التطور التكنولوجي والتقنيات الحديثة وطريقة التعاطي مع المعلومة ونقلها عبر الوسائل المختلفة، بما يلبي احتياجات المستقبل.
وأضاف خبير السياسة في جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية، “أن هناك العديد من القصص الخبرية التي يمكن للصحافي نقلها من خلال الأخبار، وكل ما عليه فعله هو النظر بتمعن إلى الأشياء التي يراها كل يوم والاحداث التي تدور من حوله، وان يملك الايمان الكافي بهذه المتغيرات، ذاكراً على سبيل المثال: حضوره لفعاليات منتدى الإعلام العربي في العام 2009 وكيف ان أجندة المنتدى في ذلك الوقت كانت تستشرف الطفرة التكنولوجية القادمة والتأثير المضاعف الذي ستحظى به الأجهزة النقالة، قائلاً: انه في ذلك الوقت كانت مثل هذه الأفكار والاتجاهات المستقبلية لا تلقى الاهتمام الكافي من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، بينما نشاهد اليوم الصعود المذهل للهواتف والاجهزة الذكية وما زالت المؤشرات العالمية تتوقع حصول المزيد من التأثير ليصل عدد مستخدمي هذه الأجهزة إلى 6 مليارات مستخدم بحلول عام 2025.
جدير بالذكر أن نادي دبي للصحافة ينظم على مدار العام عدداً من الجلسات النقاشية والحوارية ويستضيف خلالها نخبة من الشخصيات المؤثرة على مستوى المنطقة، للحديث عن مواضيع متنوعة تهم شريحة واسعة من الجمهور العربي. كما تنظم العديد من جلسات المعرفة بالتعاون مع عدد من المؤسسات الصحافية والإعلامية العربية والدولية، بهدف تطوير مهارات الصحفيين والعاملين في قطاع الاعلام في دولة الامارات العربية المتحدة والمنطقة العربية ومساعدتهم في أداء عملهم بمهنية واحترافية، وتستهدف هذه الفعاليات جميع العاملين في قطاع الصحافة والاعلام بالإضافة الى الشباب الراغبين في دخول هذا المجال، بهدف تعزيز قدراتهم على المساهمة بصورة إيجابية واضحة في الارتقاء بالمنتج الإعلامي العربي عموماً، والتأكيد على مكانة دبي كوجهة عالمية لصناعة الاعلام.