نادية الصايغ مؤسسة مركز المشاعر الإنسانية في دبي تجسد نموذج المرأة الإماراتية الناجحة نظراً لإرادتها القوية ومساعيها الحثيثة لمساعدة الفئات الأكثر حرجاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، فرغم اتساع الخيارات في سوق العمل أمامها بعد التخرج، إلا أنها أصرت على أن تكون رسالتها في الحياة «إنسانية بحتة»، أسوة بوالدها الذي كان يبحث باستمرار عن أبواب خدمة المجتمع بجميع أطيافه، وعلى غرار ذلك مضت بثقة نحو تأسيس مركز المشاعر الإنسانية ، ليكون مركزاً متكاملاً غير ربحي يتكفل بتعليم وإيواء وعلاج جميع الحالات المتعسرة اجتماعياً وجسدياً، مستقبلة حتى الآن نحو 100 حالة يضمها المركز بين أقسامه المختلفة.
الحاسب الآلي
التحقت الصايغ بجامعة الإمارات لتدرس آداب اللغة الإنجليزية، وحرصت على اختيار الخدمة الاجتماعية تخصصاً فرعياً، ثم حصلت على دبلوم الحاسب الآلي من الهيئة العامة للمعلومات بدبي، لكن رغم دراستها المتشعبة لم تنس هدفها الأسمى في الحياة المتمثل في تقديم يد العون والمساعدة لأكثر الشرائح ضرراً، كما يعد سجلها حافلاً بالإنجازات، إذ شغلت وظيفة باحثة اجتماعية بمركز رعاية وتأهيل المعاقين بدبي، ثم رئيسة القسم الاجتماعي بمركز رعاية وتأهيل المعاقين بأبوظبي، لتترقى بعدها إلى رئيسة قسم التأهيل المهني بالمركز نفسه.
ترأست الصايغ إدارات ولجانا كثيرة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وهيئة تنمية للتوظيف، ومستشارة أسرية بجمعية النهضة النسائية، وغيرها الكثير من الجهات، ويبدو أن مشاركتها الواسعة كانت تتمحور غالباً حول الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، انطلاقاً من مبدئها القائم على مساعدة هذه الشريحة، ذلك ما دفعها إلى تقديم المزيد من المساهمات في الجانب التطوعي مثل تدريسها مادتي اللغة الانجليزية والاجتماعيات بطريقة «برايل» للطلبة المكفوفين، وتقديم محاضرات وورش عمل اجتماعية بالمدارس.
جوائز لا تحصى
حصدت الصايغ على العديد من الجوائز والشهادات نظراً لجهودها المبذولة، فقد نالت على درع الاستحقاق الإنساني لجمعية الهلال الأحمر على المستوى المحلي والإقليمي، وقد يطول الحديث كثيراً لنحصي ما ظفرت به الصايغ طوال هذه الأعوام من جوائز وأوسمة وشهادات ودورات ومناصب، لكن ما يثير النفس تعلقها الشديد بهذا الجانب الذي جعلها ترفض وظيفة في وزارة التربية والتعليم في منتصف الثمانينيات رغبةً منها في الحصول على وظيفة تتناسب مع طموحها الإنساني، لتتحقق رغبتها في الحصول على وظيفة تتلاءم مع ميولها في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
ورثت الصايغ خصالها الإنسانية من والدها الذي كانت يده البيضاء تسعى في مد جسور الخير والعطاء للناس عن طريق جمع الإعانات وإغاثة المحتاجين، ذلك ما أشعل الرغبة الإنسانية لدى الصايغ، فانطلقت إلى تدشين مركز المشاعر الإنسانية، مشرعة الأبواب لاستقبال جميع الحالات الشديدة وأصحاب الإعاقات المتعددة من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة التي ترفضها باقي المراكز، مثل الأطفال الذين يعانون من شلل دماغي يضاف إلى إعاقات وعاهات أخرى يشتكي منها الجسد.
أهل الخير
من الطبيعي أن تكون المهمة صعبة وشاقة، إذ استأجرت الصايغ منزلاً كبيراً لممارسة عملها الإنساني بلا مقابل مادي، فكان الحمل ثقيلاً نسبياً كون تكاليف المركز تعتمد على تبرعات أهل الخير، لكن تدخل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ،رعاه الله، كان سريعاً أثلج قلب الصايغ، إذ أمر سموه ببناء مركز حديث للمركز وتوفير الكهرباء والمياه مجاناً، ما خفف من الحمل عليها كثيراً.
حرصت الصايغ على أن يستقطب المركز بعض العائلات التي تضم أكثر من فرد ينتمي إلى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، سعياً منها لتخفيف العبء على بعض الأمهات، واستطاعت فعلاً أن تحقق مرادها باستقبال الأطفال والأبناء، إذ استقبلت من بعض الأسر ما يزيد على ثلاثة أفراد ينتمون إلى أسرة واحدة، كذلك ساهم تكامل خدمات المركز من مسكن وتعليم وطعام وشراب على اطمئنان ذوي الأطفال وعطف واهتمام غير مسبوق من جميع الأطراف في المركز، لاسيما نادية الصايغ التي اعتبرها جميع العاملين والدارسين في المركز أم استثنائية بلا نقاش، بدليل تعرف الجميع على خطواتها قبل دخولها.
التجرد من العواطف
دائماً تنصح الصايغ كادرها بالتجرد من المشاعر والعواطف الخارجية، وتطويع النفس لخدمة أبناء مركز المشاعر الإنسانية، ويحتاج بعض الأطفال في المركز إلى شخصين للرعاية والاهتمام، نظراً لحالات الإصابة بالإعاقة المتعددة، ويضم المركز طاقما طبيا يتغير كل ثماني ساعات، فضلاً عن المعلمين الذين يؤدون مهمتهم منذ الصباح وحتى الظهر، مما ساعد الكثير من الدارسين للانتقال من الجهل إلى تعلم أكثر من لغة وممارستها تحدثاً وكتابة.
تعتبر الصايغ هي المواطنة الأولى التي أمسكت «ميكروفون» الإذاعة كي تتحدث عن ذوي الاحتياجات الخاصة، وانطلقت في رحلة بحث عن المعاقين في مختلف إمارات الدولة، واستطاعت الصايغ التنسيق مع بعض الجهات مثل النيابة العامة لاستقبال الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة وهيئة تنمية المجتمع وغيرها الكثير من المؤسسات التي رحبت بالفكرة