لا تفتأ بعض شركات التوظيف تخلق كل يوم أساليب جديدة للتحايل على الباحثين عن وظيفة مناسبة، هذا الحلم الذي يراود الكثير من الشباب، سواء من المواطنين أو المقيمين، بعد تخرجهم، ورغبتهم الملحة في الحصول على فرصة عمل، الأمر الذي يوقعهم فريسة لـ«شركات بيع الوهم»، ويجعلهم ضحية لعمليات نصب مخططة ومدروسة من ذوي النفوس الضعيفة الذين يتاجرون بأحلام الشباب على شكل عروض عمل غير حقيقية.
وأكد باحثون عن عمل لـ«البيان»، تعرضهم لمحاولات تصيد واحتيال متنوعة، من قبل شركات توظيف وهمية تستغل حاجتهم الملحة في الحصول على وظيفة مناسبة والعيش بكرامة، حتى أصبح مشهداً مألوفاً وجود عدد من الشباب داخل أروقة إحدى هذه الشركات يقف منتظراً في طابور الأحلام والوعود التي سرعان ما تتبخر لعدم توفر وظيفة.
وأوضحوا أن بعض المحتالين لا يصرحون بأنهم شركات توظيف، ويتخذون مسميات أخرى مثل استشارات إدارية وتسويقية على سبيل المثال كي لا يفتضح أمرهم، ويطرحون وظائف تتناسب مع تخصصات الضحايا، ويرسلون رسائل هاتفية أو عبر البريد الإلكتروني، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي «الواتس آب»، تطلب من الضحية الحضور إلى مقر الشركة بحجة أنه تم قبوله في الوظيفة المطروحة عبر الشبكة العنكبوتية بمجرد تواصله معهم.
رغبة ملحة
وأشارت الخريجة هدير ريحان إحدى الضحايا، إلى أنها تخرجت منذ 3 سنوات وبقيت تبحث منذ ذلك الحين عن وظيفة ثابتة تمكنها من الاعتماد على نفسها ومساعدة أسرتها.
ونظراً لرغبتها الملحة في إيجاد وظيفة تمكنها من مساعدة نفسها وأهلها فقد وقعت فريسة لإحدى شركات بيع الوهم بعد أن وجدت إعلاناً لوظيفة سكرتيرة عبر الشبكة العنكبوتية، فذهبت على الفور وأجرت المقابلة وأخبروها بأنها الشخص الأنسب للوظيفة كونها تتحدث العربية والانجليزية بطلاقة، وأطلعوها على كامل التفاصيل مثل قيمة الراتب الشهري والحوافز ومواعيد العمل وغيره، ثم طلبوا منها دفع 500 درهم «ضماناً لقبولها الوظيفة»، وسوف تسترده مع راتب الشهر الأول، لتكتشف لاحقاً بأنها تعرضت لواقعة نصب حين حصلت على إيصال الدفع المكتوب فيه أنها يمكنها استرداد المبلغ فقط في حال لم يتم توفير مقابلة ثانية لها في شركة أخرى.
وأوضحت أنها اكتشفت لاحقاً حين قامت بالإبلاغ عن هذه الشركة أنها تتعاون مع عدد من الشركات للنصب على طالبي الوظائف عبر إجراء مقابلات لوظائف وهمية من أجل الحصول على مبالغ مالية منهم.
وقال زياد طارق وكريم حسين، إنهما تعرضا للأمر ذاته من الشركة ذاتها ومن شركات مماثلة، الأمر الذي جعلهما يدخلان في حالة من الاكتئاب واليأس بسبب استنزاف هذه الشركات التي تتاجر بأحلام الشباب لجيوبهما جراء وقوعهما في مصيدة النصب والاحتيال، وتخليها عن دورها في تخفيف البطالة.
أمان وظيفي
وقال محمد الكارح إنه كثير التفاعل مع منصات التواصل الاجتماعي المعنية بالتوظيف، ويحمل سيرته الذاتية عليها باستمرار، إضافة إلى أنه دائماً ما يدون آراءه المهنية، ويسوق أفكاره على هذه المنصات، إلى أن تلقى رسالة بريد إلكتروني، تفيد بترشيحه للعمل لدى إحدى الشركات الموجودة في الدولة، وحين ذهب لإجراء المقابلة لوظيفة مصمم جرافيك، وحين انتهى من ملء استمارة البيانات الخاصة به لإتمام الإجراءات الإدارية، فوجئ بأنه سيتم تعيينه في عيادة أسنان عوضاً عن الوظيفة التي جاء لها وحددوا له موعداً آخر لمقابلة وهمية لا وجود لها بعد أن حصلوا منه على مبلغ مالي قدره 200 درهم.
وأكدت الطالبة نورة محمد أن الأمان الوظيفي يدفعها للبحث عن وظيفة في القطاع الحكومي إلى جانب عدة أسباب أخرى تتمثل في سهولة وسرعة الترقية، التطوير والتدريب الوظيفي، الوجاهة الاجتماعية، عدم ارتباط الاستمرارية في العمل بالمكسب والخسارة.
تفاعل سريع
«البيان» طرحت الملف ووضعت مستنداته على طاولة وزارة الموارد البشرية والتوطين التي تفاعلت بشكل فوري وسريع مع المعلومات التي تلقتها، حيث أكدت أن «فريق التفتيش زار المنشأة المذكورة وتم إثبات ممارستها للنشاط دون حصولها على ترخيص من الوزارة، إضافةً لضبط إيصالات الدفع وأخذ أقوال بعض الباحثين الذين كانوا يتواجدون في المنشأة عند زيارتها، ووفقاً لذلك، تم إعداد مخالفة إدارية بحق المنشأة لعدم حصولها على ترخيص من الوزارة، وكذلك إحالتها إلى النيابة العامة لمخالفتها التشريعات النافذة».
وكشفت الوزارة لـ «البيان» ضبط 41 جهة تمارس نشاط التوظيف أو التوسط دون حصولها على ترخيص صادر عن الوزارة منذ العام الماضي، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقها وإحالتها للنيابة العامة للسير في الإجراءات الجزائية ومخاطبة الجهات الحكومية ذات الاختصاص.
وأوضحت أن «التشريعات جرمت ممارسة نشاط التوظيف والتوسط دون الحصول على ترخيص صادر عن الوزارة ووفقاً للإجراءات والاشتراطات المنصوص عليها في قانون تنظيم علاقات العمل ولائحته التنفيذية والقرارات الوزارية المنفذة لهما».
إجراءات ضبطية
وأشارت الوزارة إلى حوكمة سياسة المراقبة والمتابعة من خلال الرصد الاستباقي عبر متابعة وكالات التوظيف التي تعلن عن توفير الوظائف في المنشآت سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو في أي وسيلة إعلانية أخرى حيث يتم التعامل مع هذه الحالات بإجراءات ضبطية يقوم بها مفتش «متسوق سري» كباحث عن العمل الذي يعمل على التأكد من بيانات المنشأة في أنظمة الوزارة واتخاذ الإجراءات القانونية في حال ثبت ممارسة نشاط التوظيف دون الحصول على الترخيص وذلك بالتوازي مع تخصيص زيارات تفتيشية للمنشآت المعنية لضبط الممارسات غير القانونية واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقها.
وأكدت الوزارة أنها «لا تتهاون في تطبيق الإجراءات والعقوبات القانونية بحق أي منشأة يثبت أنها تمارس هذا النشاط دون الحصول على الترخيص المطلوب».
ودعت أفراد المجتمع إلى التأكد من حصول المنشأة على ترخيص من الوزارة وذلك قبل التعامل معها ضماناً لحقوقهم ومنع التحايل عليهم، وإبلاغ الوزارة عن التجاوزات وممارسات التوظيف غير القانونية عبر مركز الاتصال على الرقم 600590000 أو التطبيق الذكي للوزارة.
نفوس ضعيفة
من جهته، حذر علي مصبح ضاحي، المحامي والمستشار القانوني، الباحثين عن عمل من تصديق أكاذيب المحتالين، الذين يستغلون رغبة الشباب الملحة في البحث عن عمل للانطلاق في سوق العمل وبدء حياتهم، للاحتيال عليهم، من قبل مثل هذه الشركات التي يديرها أشخاص ذوو نفوس ضعيفة لا يأبهون بالمساس بأمن المجتمع وصورته، عبر إيهام ضحاياهم بتوفير فرصة عمل لهم وتخصيصها لدفع مبالغ مالية كرسوم لتلك الوظائف الوهمية، ليكتشف المتقدمون بطلباتهم في آخر المطاف أنهم وقعوا ضحية للنصب والاحتيال.
وأوضح ضاحي بأن الاحتيال يتخذ عدة طرق مثل الإعلان عن وظيفة داخل الدولة وبراتب مغر مع مزايا كالسكن وتذاكر السفر، أو حتى نسبة من الأرباح السنوية لإغراء طالبي الوظائف، إلا أن الغاية منها الحصول على مبلغ مالي كرسوم لعملية التوظيف الوهمية.
وأضاف أنه في كثير من الأحيان تتخذ هذه المواقع أسماء لشركات كبرى ومعروفة في الدولة حتى يتم تنظيم العملية الاحتيالية بشكل محترف، وأحياناً ما يكون الضحايا من خارج الدولة.
وأكد أنه وردته بعض القضايا لضحايا قدموا إلى الدولة بتأشيرة زيارة بعد أن قدموا طلباتهم عبر المواقع الإلكترونية لهذه الشركات ليكتشفوا فور وصولهم بأنهم تعرضوا للنصب.
التأكد من صحة الإعلان
وشدد على ضرورة التأكد من صحة الإعلان والتواصل مع الشركة مباشرة لمعرفة صحة الإعلان قبل دفع أي مبالغ مالية، وحض على ضرورة التعاون مع الجهات المختصة بالدولة بالإبلاغ عن مثل هذه الإعلانات المضللة ليتسنى اتخاذ الإجراءات الرادعة بحقها.
من ناحيته، قال إبراهيم الصايغ، رئيس قسم استراتيجية التوطين بمجموعة الفطيم إن المجموعة تطرح العديد من الفرص الوظيفية المتنوعة في مختلف أقسام الشركة وإداراتها، عبر قنواتها الرسمية، بالإضافة إلى صفحتها على موقع «لينكدإن،» وتبحث دائماً عن الأفراد الموهوبين من الخريجين والشباب المواطنين.
وأوضح أن الشركات في القطاع الخاص تبحث عادة عن مجموعة من المعايير عند تقييم المتقدمين للوظيفة من أبرزها الكفاءة المهنية والخبرة في المجال المطلوب، بالإضافة إلى المهارات الشخصية مثل القدرة على العمل ضمن فريق حل المشكلات، كما يعتبر التحصيل العلمي والتدريب المستمر عوامل مهمة، إلا أن الأهم هو التقاء رؤية المتقدم مع قيم وأهداف الشركة لضمان التوافق والانسجام في بيئة العمل.
وأكد أن المجموعة تؤمن برعاية المواهب المحلية، وتقدم المئات من فرص العمل التي تلبي مختلف الاهتمامات والخلفيات التعليمية. من جهته، أكد الدكتور منصور العور رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية، أن الجامعات هي المسؤول الأول عن البطالة في المجتمعات، ويجب أن تهدف إلى تخريج رواد أعمال قادرين على النجاح ومواكبة المستقبل، وألا تعمل على تقديم خريجين يبحثون عن فرص عمل ووظائف تقليدية.
وأشار إلى أن الجامعات يجب أن تضع على عاتقها مسؤولية دفع الجهود الوطنية لخلق نظام تعليمي يكتشف مواهب كل إنسان ويطوّرها، بما يتواءم مع بنود «وثيقة الخمسين».